مقالات

السقوط إلى الأعلى

بقلم  : خالد السلامي

السقوط إلى الأعلى

 

بقلم  : خالد السلامي

قد يبدو تعبير “السقوط إلى الأعلى” متناقضًا للوهلة الأولى. فالسقوط عادةً ما يرمز إلى الإخفاق والانكسار، بينما الأعلى يوحي بالنجاح والرفعة. فكيف يمكن إذن أن يكون سقوط الإنسان سببًا في ارتقائه؟ الحقيقة أن الحياة مليئة بالمفارقات التي تجعل من الفشل أحيانًا نقطة انطلاق نحو نجاح أكبر ونمو شخصي أعمق. كثيرًا ما يحدث أن تصبح العثرة خطوة تمهد لطريق جديد ومثمر لم يخطر لنا على بال.

كل واحد منا مرّ بتجربة إخفاق في مرحلة ما من حياته؛ ربما تعثّر في الدراسة، فشل في مشروع عمل، أو تعرض لانهيار علاقة عاطفية. تلك اللحظات قد تغمرنا بمشاعر اليأس ونظنها نهاية الطريق. لكن ما يلبث الزمن أن يثبت لنا أن تلك السقطة لم تكن سوى درسٍ قاسٍ وضروري – درس يوقظ فينا قدرات كامنة ويصقل فهمنا لأنفسنا وللعالم. مع مرور الوقت، نكتشف أن الفشل ليس نهاية المطاف بل بداية مختلفة تحمل في طياتها بذور النجاح القادم.

الفشل أرضية للنمو والارتقاء

ينظر الناجحون إلى الفشل بوصفه جزءًا طبيعيًا من الرحلة، وخطوة لا بدّ منها على طريق التقدم. في الحقيقة، الفشل محطة من محطات النجاح؛ فلا نجاح بلا فشل ولا فشل بلا نجاح، فكلاهما وجهان لعملة واحدة يتكاملان في بناء التجربة الإنسانية. هذا الترابط أدركه الحكماء منذ القِدم. فالفيلسوف الألماني نيتشه يقول: “ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى” – في إشارة إلى أن كل محنة أو إخفاق يمكن أن يزيدنا صلابةً وخبرةً بدل أن يهزمنا. وكما نقول في تراثنا العربي: “لكل جوادٍ كبوة”، فحتى أمهر الفرسان لا بد أن يتعثروا يومًا ما. أي أن الخطأ والسقوط قدرٌ إنساني لا يسلم منه أحد، لكن العبرة في كيفية تعاملنا معه.

الفشل أشبه بمعلم صارم يواجهنا بعيوب خططنا ونقاط ضعفنا دون مجاملة. فهو يكشف جوانب النقص التي تحتاج إلى تطوير، ويمتحن إرادتنا وعزيمتنا في الصمود. كما قال رائد الصناعة هنري فورد: “الفشل هو ببساطة فرصة جديدة لكي تبدأ من جديد، ولكن هذه المرة بذكاء” – أي أن كل سقوط يتيح لنا فرصة لإعادة النظر فيما جرى، والتعلم من الخطأ بدل الاستسلام له. ولنتذكر أيضًا أننا عندما كنا أطفالًا نتعلّم المشي، وقعنا أرضًا مرات لا تُحصى قبل أن تخطو أقدامنا بثبات. لولا تلك السقطات الأولى، لما تعلّمنا كيف نحفظ توازننا ونواصل المضيّ قدمًا. بهذا المنظور يتحول الفشل من كابوس نخشاه إلى تجربة تعليمية مُثرية تدفعنا نحو الأمام.

سقوطٌ يعقبه صعود: أمثلة واقعية

لقد أثبتت تجارب كثير من الشخصيات عبر التاريخ أن الفشل يمكن أن يكون أعظم محفّز للنجاح. فيما يلي نماذج لأشخاص عانوا السقوط في بداياتهم، ثم انطلقوا بعده نحو قمم الإنجاز:

• توماس إديسون: واجه أحد أعظم المخترعين في التاريخ صعوباتٍ مبكرة في التعلم، حتى أن بعض معلّميه وصفوه يومًا بالبطء وقلة الفهم. لكن إديسون ثابر على شغفه العلمي رغم كل العثرات. يُقال إنه فشل في أكثر من 1000 تجربة قبل أن ينجح في اختراع المصباح الكهربائي، وعندما سأله أحدهم عن شعوره حيال محاولاته الفاشلة أجاب بثقة: “لم أفشل، بل اكتشفتُ 1000 طريقة لا تعمل”. هذا الإصرار حول إخفاقاته إلى جزء من عملية الابتكار، حتى غدا اختراعه المتوهّج نورًا أضاء البشرية.

• ج. ك. رولينغ: مؤلّفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة عاشت ظروفًا صعبة قبل أن تذيع شهرتها حول العالم. وجدت نفسها في مطلع شبابها أمًّا وحيدة تكافح الفقر والاكتئاب، وكانت تحاول نشر روايتها الأولى. قوبلت مخطوطتها بالرفض من 12 دار نشر على التوالي. أي شخص في مكانها ربما استسلم لإحباط شديد، لكنها لم تتخلَّ عن حلمها. استمرت رولينغ في الكتابة بإصرار حتى حصلت أخيرًا على فرصة نشر روايتها. اليوم أصبحت سلسلة هاري بوتر ظاهرة أدبية عالمية وإحدى الأكثر مبيعًا في التاريخ، وتحولت رولينغ ذاتها إلى رمز للإلهام بفضل إيمانها بأن الفشل ليس نهاية الحكاية بل بداية فصل جديد.

• ستيف جوبز: قد يُدهش البعض حين يعلم أن أحد عمالقة التكنولوجيا ومؤسس شركة أبل قد مرّ بتجربة فشل مدوٍّ في منتصف مسيرته. في عام 1985 تم طرد ستيف جوبز من شركته (أبل) بعد خلافات مع مجلس الإدارة. كانت صدمة قاسية بلا شك، لكن جوبز لم يترك الإخفاق يكسره. أسّس شركة جديدة تدعى (NeXT)، وبفضل إبداعه المستمر عادت أبل نفسها لتستحوذ على شركته الناشئة وتعيده إلى قيادتها. عاد جوبز إلى أبل أقوى من قبل، وقاد ثورة تكنولوجية بإطلاق منتجات غيرت حياة الناس مثل iPhone وiPad. لقد أثبتت قصة جوبز أن الفشل المؤقت قد يكون دفعة خفيّة نحو نجاح أعظم، وأن ضربة السقوط أحيانًا هي ما يعيننا على القفز أعلى في المحاولة التالية.

• والت ديزني: لم يكن مشوار رائد الرسوم المتحركة ومؤسس إمبراطورية ديزني الترفيهية مفروشًا بالورود في البداية. تعرّض والت ديزني لسلسلة من خيبات الأمل المبكرة: رفضته عدة صحف معتبرةً أن رسومه تفتقر للإبداع، بل إن إحدى شركاته الأولى أعلنت إفلاسها في مقتبل حياته المهنية. بيد أن ديزني لم يفقد إيمانه بموهبته. أنشأ استوديو صغيرًا وواصل تطوير أفكاره وشخصياته الكرتونية بصبر. وبعد سنوات من العمل والمثابرة، حقق نجاحه الكبير بإنتاج فيلم “سنو وايت والأقزام السبعة” الذي شكّل نقطة الانطلاق لعالم ديزني الساحر. اليوم أصبح اسم “ديزني” مرادفًا للإبداع والخيال، وقصة والت ديزني تؤكد أن المثابرة على الحلم تتخطى عثرات البدايات لتبني صروحًا من النجاح.

دروس يعلّمها الفشل

التأمل في التجارب السابقة وغيرها يكشف لنا جملة من الدروس الجوهرية. أولها أن الفشل ليس حكمًا أبديًا على القدر أو قيمة الشخص؛ فهو حدث محدد لم يسر وفق المأمول، لا أكثر. كبوة في الطريق لا تعني أنك إنسان فاشل، بل أنك حاولت وجربت شيئًا يحتاج إلى تعديل أو تحسين. ثانيها أن كل إخفاق يحمل في طياته رسالة مفيدة: فهو يخبرنا ما الذي لم ينجح ولماذا، ليمنحنا فرصة تصحيح المسار في المحاولة المقبلة. وثالثها أن الإصرار والمثابرة هما جسر العبور نحو النجاح. الناجحون لا يختلفون عن الآخرين بغياب الفشل من حياتهم، بل بقدرتهم على النهوض بعد كل سقطة ومواصلة الطريق دون فقدان الحماس. وكما يقول المثل الياباني: “اسقط سبع مرات، وانهض ثمانيـــًا” – فالعبرة ليست في عدد المرات التي نتعثر فيها، بل في عدد المرات التي ننهض فيها من جديد.

وبالإضافة إلى ما سبق، يمكن للفشل أن يعلمنا التواضع والتقبّل. إنه يذكرنا بأن الكمال بعيد المنال، وبأن الإنسان بطبيعته يخطئ ويتعلم. وحتى الألم الذي قد يرافق التجربة الفاشلة يمكن أن يصبح منبعًا للقوة والإلهام. يقول الشاعر جلال الدين الرومي: “الجرح هو المكان الذي يوجد فيه الضوء الذي يدخل إلى أعماقك” – أي أن معاناتنا ذاتها قد تتحول إلى نورٍ يضيء دواخلنا ويمنحنا فهمًا أعمق. ومن المفارقات الجميلة أن الخطوة إلى الخلف أحيانًا تسبق قفزتين إلى الأمام؛ فتمامًا كما يحتاج السهم أن يُشَدّ إلى الوراء لينطلق بقوة إلى الأمام, كثيرًا ما تكون التراجعات المؤقتة هي ما يمنحنا الزخم للانطلاقة التالية. بهكذا نظرة إيجابية، يتحول الفشل من عدو نخشاه إلى رفيق درب نتعلم منه، ونغدو أكثر استعدادًا وشجاعةً لمواجهة التحديات القادمة.

خاتمة: التحليق بعد كل سقوط

في نهاية المطاف، ربما يكون السقوط إلى الأعلى أكثر من مجرد عبارة مجازية؛ إنه منظار نفسي وفلسفي يتيح لنا أن نرى الضوء وسط العتمة وأن نجد الأمل وسط العثرة. مثل طائر الفينيق الأسطوري الذي ينبعث حيًّا من رماده، يمكن للإنسان أن يخرج من رماد إخفاقاته أقوى وأسطع من ذي قبل. الفشل لا ينبغي أن يكون وصمة دائمة، بل وسام خبرة يدل على أننا حاولنا واجتهدنا وتعلّمنا. وحين نسقط، يكون أمامنا خياران: إما أن نستسلم ونبقى حيث وقعنا وندع الإحباط يحدّ من مسيرتنا؛ أو أن نلملم شجاعتنا وننهض من جديد لنكمل المشوار بعزيمة أكبر. ومن خلال النهوض المتكرر بعد السقوط، نرتقي كل مرة درجة أعلى نحو أهدافنا. وهكذا نكتشف في نهاية الرحلة أن كل سقوط لم يكن سقوطًا إلى الأسفل بقدر ما كان سقوطًا إلى الأعلى – نحو النضج، ونحو النجاح، ونحو إنسان أفضل وإرادة أصلب.

المستشار الدكتور خالد السلامي ..عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي وممثل عنه في دولة الإمارات العربية المتحدة

المستشار الدكتور خالد السلامي حصل على “جائزة أفضل شخصيه تأثيرا في الوطن العربي ومجتمعية داعمه ” لعام 2024

حصل المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم .

وحاصل أيضًا! على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي لعام 2023 ؛ ويعد” السلامي “عضو اتحاد الوطن العربي الدولي وعضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي .والممثل الرسمي للمركز في دولة الإمارات العربية المتحدة

كما حاصل على “جائزة أفضل شخصيه مجتمعية داعمه “وذلك لعام 2024 وعضو في المنظمه الامريكيه للعلوم والأبحاث.

ويذكر أن ” المستشار خالد “هو رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى