منوعات

لبنان على شفا الانهيار: “كسرة فتحة ضمّة” تكشف هشاشة الوحدة الوطنية

“كسرة فتحة ضمّة”.. لقاء وطني يجمع الطوائف اللبنانية على لغة الألم والأمل والمحبّة

 

لبنان على شفا الانهيار: “كسرة فتحة ضمّة” تكشف هشاشة الوحدة الوطنية

 

 

استُهلّت لقاءات الشبيبة المسكونيّة نيسان-أيار ٢٠٢٥ بلقاء وطنيّ جامع، عُقِد مساء الأربعاء ٣٠ نيسان في مسرح دير سيّدة اللويزة – ذوق مصبح، تحت عنوان: “كَسْرَة فَتحَة ضَمَّة”، جامعًا شبابًا من مختلف الطوائف والمذاهب لتسليط الضوء على الخبرات الإنسانيّة المُميّزة التي عاشها اللبنانيون خلال الحرب الأخيرة، بهدف تعزيز قيم التعاضد والتضامن الإنساني.

تضمّن اللقاء كلمات وشهادات حياة وأفلامًا وأدعية سنيّة وشيعيّة ودرزيّة وعلويّة وبهائيّة، إلى جانب قراءات وتراتيل روحيّة مسيحيّة.

بدأ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، تلتْه كلمة ترحيبيّة للدكتورة كاتي نصّار، منسّقة اللقاء، شرحت فيها رمزيّة العنوان:

“الكَسْرَة”: ترمز إلى الألم الذي عاناه اللبنانيون.

“الفَتحَة”: تُمثّل أفق التلاقي الإنسانيّ الوطنيّ الذي انفتح رغم الحرب.

“الضَمَّة”: تعبّر عن المحبّة التي جمعت أبناء الشعب.

وختمت كلمتها بعبارة: “أهلا فيكن من جديد، ويلّا نحرِّك الكلمة!”.

كلمة الشيخ مروان الميس (الطائفة السنيّة)

شدّد على أهميّة المساواة الإنسانيّة، مستشهدًا بالآية الكريمة:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾،مؤكدًا أن قيمة الإنسان تكمن في أخلاقه وتقواه، وأن الدين معاملة، واستشهد بقول الإمام علي (ع): “الناسُ صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظيرٌ لكَ في الخلق”، وختم قائلاً: “أفعالنا يجب أن تكون كأقوالنا، لا أن نقول ما لا نفعل”.

شهادة السيّدة رُقيّة فقيه والسيّدة مُنتهى جبرايل

رَوَت الدكتورة رُقيّة فقيه، من النبطيّة، تجربتها المؤثرة في الحرب، حين اضطرت للهرب بأولادها من الجنوب تحت القصف، وكيف ساعدتها مُنتهى جبرايل، والدة صديقة ابنتها، واستقبلتها في منزلها دون أن تعرفها أو تسأل عن طائفتها أو هويّتها.

قالت رُقيّة: “ما جمعنا هو المحبّة. الدين ليس شعارات، بل ما فعلته مُنتهى. الدين هو فعل المحبّة”.

من جهتها، أكّدت مُنتهى جبرايل أنّ ما دفعها لذلك هو وصيّة يسوع: “كنتُ غريبًا فأويتموني”، مضيفةً: “أنا ورقيّة ننتمي للدين نفسه، دين المحبّة، حتى لو صلّينا بطرق مختلفة”.

كلمة ودعاء الشيخ علي عاصي (الطائفة العلويّة)

ألقى كلمةً ودعاءً روحيًا، مؤكّدًا على وحدة الإنسان اللبناني في معاناته وأمله. (يُستكمل النص لاحقًا).

خلفية اللقاءات

تأتي هذه اللقاءات استكمالًا للمسيرة المسكونيّة التي تُوِّجت عام ٢٠١٩ بـ”اللقاء المسكونيّ العالميّ للشبيبة”، الذي استضافته كنائس لبنان ومجلس كنائس الشرق الأوسط مع جماعة Taizé الفرنسيّة، بحضور حوالي ١٦٠٠ شاب وشابة من مختلف الكنائس اللبنانية والعالميّة، إضافة إلى مشاركة شبيبة من الطوائف الإسلاميّة في احتفال البشارة.

تُنظَّم لقاءات ٢٠٢٥ بمبادرة من مكتب راعويّة الشبيبة في الدائرة البطريركيّة المارونيّة، وبالتعاون مع مكاتب الشبيبة في مختلف الكنائس، وبمباركة إخوة جماعة Taizé وحضورهم.

شارك الشيخ ربيع القبيسي، وهو من الطائفة الشيعية، تجربة إنسانية عميقة خلال الحرب الأخيرة، قائلاً: “سأحاول في هذا الوقت الضيق أن أوصل الخبرة التي عشتها خلال هذه الحرب الأليمة.” وأوضح أنه جاء من مدينة صور في جنوب لبنان، حاملاً بركة كنيسة سيدة البحار وكنيسة مار توما الأرثوذكسية والكاثوليكية، وكل أبناء الله في المدينة، ليؤكد أن الحرب صعبة، مليئة بالدمع والحزن والغصّة والتعب النفسي والجسدي.

وأكد أنه عند اندلاع الحرب، كان أمام خيارين: إما أن يطبق ما يعظ به طلابه في الجامعة، أو أن يبقى إلى جانب عائلته، فاختار أن يكون إنساناً بالمعنى الحقيقي، وانخرط في العمل الإنساني من خلال تجهيز الشهداء الذين سقطوا في منطقته.

وسرد لحظةً وصفها بالأصعب، حينما تم قصف مركز الدفاع المدني اللبناني في بلدة دردغيا التي يسكنها مسلمون شيعة ومسيحيون. ومن بين الشهداء كان جوزيف البدوي، الذي لم يكن أهله حاضرين. قال القبيسي: “تواصلت مع أبونا ماريو، وقمنا بتجهيز الجثمان وفق التقاليد المسيحية، وأُقيمت عليه الصلاة في الكنيسة تحت الخوف والقهر والدموع.”

وأكد أن هذه التجربة العميقة علّمته أن “الإنسان هو إنسان مهما اختلف المعتقد والدين”، وأضاف: “كل شخص خلقه الله يمتلك روحًا إنسانية، وحقه أن يعيش ويحيا بكرامة. هذه الحرب جعلتنا نُدرك أكثر أننا نشبه بعضنا البعض، ولسنا بحاجة لأزمات كي نلتقي.”

وختم حديثه قائلاً: “دُمّر منزلي في اليوم الأخير من الحرب، لكن دير مار مارون كان لنا منزلاً ثانيًا. نحن إخوة في الدين، وإن اختلفت العناوين. علينا التمسك بالمبادئ لا أن نرفعها كشعارات فقط. رأينا نماذج تُحيي فعل الإيمان الحقيقي، وهو ما يجعلنا نتجاوز كل الاختلافات السياسية وغيرها.”

الشيخ فاضل سليم: الدعاء هو طريق القلب… والعيش المشترك أملنا في الغد

بدوره، ألقى الشيخ فاضل سليم، من الطائفة الدرزية، كلمة ودعاء، شدد فيها على الأمل الذي يسكن قلوب اللبنانيين، قائلاً: “أنا لا أريد أن أتحدث عن الحرب، بل عن الأمل في هذا البلد، الأمل عندما نرى هذا الاجتماع الإسلامي المسيحي ونضع يدنا بيد بعضنا البعض ونتعاون لما فيه الخير.”

وأضاف أن التقرّب من الله يمنح الإنسان القوة والمحبّة، ومن خلاله يمكن بناء لبنان جديد. واستهل دعاءه بعبارات من مقدّمة كتابه “ربّي تقبّل دعائي”: “اعرف أيها العاقل أن الاهتمام بحياة قلبك أبدى من الاهتمام بحياة جسدك… بذكره تهون المصائب ويضحك القلب.”

ثم قرأ دعاءً منسوبًا لسيدنا آدم عليه السلام، داعيًا إلى الإيمان الصادق والرضا والتسليم بقضاء الله، لأن الدعاء الحقيقي يخرج من قلب صافٍ، وكلما صلح القلب كان الدعاء أكثر استجابة.

الشيخ نظام بو خزام: “الدرزي يحبك ويحضنك”… لحظة صنعت مستقبلاً من التسامح

لاحقًا، قدّم الشيخ نظام بو خزام شهادة مؤثرة، مسترجعًا تجربة عاشها خلال الحرب الأهلية بين الدروز والمسيحيين في الشوف بعد اغتيال الزعيم كمال جنبلاط، حين خُطف من قبل شخص مسيحي وكان عمره 17 عامًا، ونجا من الموت بمعجزة.

وسرد لحظة مفصلية في حياته بعد انتهاء الحرب، حين كان يملك متجرًا لبيع الألعاب. دخلت إليه أم مع طفلها من دير القمر، وقال له الطفل: “يا عمّ، هل أنت شيخ درزي؟” أجابه الشيخ: “نعم”، فقال له الطفل: “يعني ستذبحني!” تأثّر الشيخ كثيرًا بهذا الكلام، فطمأن الطفل وأكد له: “الدرزي يحبك، ويحضنك.” ثم حمله وقدّم له هدية.

تلك اللحظة دفعته لتأسيس جمعية “البيت اللبناني للبيئة” عام 1997، التي تعمل على نشر قيم المواطنة والعيش المشترك، قائلاً: “في الحرب، كلّنا خسرنا ولم يربح أحد، ولبنان لا يعيش إلا بتنوعه.”

 

جاءت كلمة السيّدة بهيّة طحّان (من الديانة البهائيّة) خلال اللقاء بعنوان “خبرة إنسانيّة”، حيث قالت: “أنا بهيّة طحّان لبنانيّة مغربيّة الأصل.. أنا سعيدةٌ جدًّا لأنّها المرّة الأولى التي أشارك فيها في هكذا لقاء. شكرًا لكم على الدعوة. نرغب في مشاركتكم ببعض الصور من الأنشطة التي نشارك فيها في المجتمع اللبنانيّ.”

وتابعت: “في معرض كلماتكم، راودني السؤال التالي: لماذا الجامعة البهائيّة كانت تحضّرنا كدول عربيّة عام ١٩٩٦؟ فأعدّت برنامج في كيفية تطوير القدرات والحوارات مع جميع الأديان، فضلاً عن كيفية تطوير القدرات والمهارات للعمل مع فئة الأطفال والشباب الناشئ وكذلك الشباب. ربما هذا ما أعطانا الدافع، بحكم أنّها المرّة الأولى التي أعيش فيها الحرب هنا، ولكن لم أشعر بالخوف، لقد شعرت قليلاً بوجود هلع لكن كلّ الناس الذين تعرّفت عليهم خلال السنوات الأربع لتواجدي هنا من فئة الشباب الذين كانوا من ضمن الناس الذين يشاركوننا نفس الهدف رغم اختلاف الأديان، إن كان درزيّ، مسيحيّ، شيعيّ، سنّيّ، لم نشعر أبدًا بهذا الفرق، لأنّ تركيزنا كان على كيفية بناء هذا الهدف الأسمى في لبنان.”

واستكملت قائلةً: “كيفية تقبّل هذا الولد غدًا للآخر؟ كيفية عمل هذا الشاب ومحاولة تطوير قدرات هؤلاء الشباب الذين لديهم هذه التفرقة، وكيفية توحيد الرؤية فيما بيننا والعمل معًا ووضع يدنا بيد بعضنا البعض. فهذه هي الجامعة البهائيّة التي تشارك جميع الذين يرغبون في الانضمام إلى هذا العمل وكيف يكون بلدنا مزدهرًا، ليس فقط لبنان بل كلّ الدول العربيّة.”

ثمّ روت قصة مؤثرة قائلةً: “أودّ أن أروي لكم من بين القصص التي اختبرناها، قصة امرأة مسيحيّة سألتها ما إذا كانت ترغب في أن يكون أوّل دعاء في منزلها مع الإخوة السوريين السُنّة، فرفضت رفضًا قاطعًا في بادئ الأمر.. هذا ما جعلنا نرى خلال سنة أنّ كل حلقات الدعاء التي نقوم بها بتنوّعها بَنَت صداقات جميلة جدًّا، ممّا سمح لهذه العائلات أن تفتح منازلها في الحرب لكلّ الناس الذين نزحوا من الضاحية، لم تغلق أبوابها. فعندما كنت أذهب للدعاء معهم كانوا يُعربون عن سعادتهم لشعورهم وكأنّهم في منازلهم. في أيام الحرب، التغَت كلّ التفرقة التي غالبًا ما نراها في مجتمعاتنا… هذا ما نبحث عنه كبهائيّين، أصدقاء يشاركوننا نفس الهدف ونفس التحوّل الاجتماعيّ الذي نرغب من خلاله رؤية هذا التنوّع في مجتمعاتنا العربيّة…”

ومن بعدها، ألقى الأخ جان جاك من جماعة Taizé المسكونيّة الفرنسيّة كلمته المؤثرة قائلاً: “أنا الأخ جان جاك جئت من فرنسا أنا والأخ روبير إلى لبنان من بلدة Taizé حيث نعيش كجماعة.. في Taizé نستقبل دائمًا شبيبة، فالأسبوع الماضي استقبلنا ٢٠٠٠ شاب وشابّة والأسبوع الذي سبقه استقبلنا ٣٠٠٠ شاب وشابّة من كلّ أنحاء العالم أتوا لعيش اختبار حياة الجماعة.. لقد تأثّرت الليلة كثيرًا بالخبرات الإنسانيّة.”

وتابع: “في Taizé غالبًا ما نذكر لبنان في صلاتنا، وبخاصةٍ أثناء القصف لأنّه لدينا الكثير من الأصدقاء في لبنان.. ونصلّي كلّ يوم على نيّة فلسطين بسبب ما يحدث في غزّة وعلى نيّة كلّ مكانٍ فيه ظلامٌ ووجعٌ وبخاصّةٍ في أوكرانيا. هناك فرق بين الصلاة على نيّة الأمور والإصغاء مباشرةً لخبرات حياة من الأشخاص الذين يعيشون في هذه الظروف الصعبة، لذلك تأثّرت كثيرًا اليوم بكلّ الشهادات والخبرات التي سمعناها، لأنّنا شعرنا بأنفسنا أكثر قربًا.”

وأضاف: “ربما سمعتم هذه الشهادات كلّها أكثر منّا لأنكم تعيشون في لبنان، أمّا نحن، فبالنسبة لنا الأمر جديدٌ ومؤثِّرٌ للغاية، فنحن أتينا من فرنسا لاكتشاف لبنان خلال هذه الأسابيع الثلاث. فمن المهم لنا أن نخبر ما سمعناه منكم إذ إنّه مؤثّرٌ للغاية.”

واستدعى الأخ جان جاك من بين الحضور الشبيبة الذين شاركوا في Taizé: الشابتان فضيلة وأسيل اللتان عرضتا فيلمين قصيرين لخّصا خبرتهما التي عشتاها هناك.

ثم شاركت الشابّة فضيلة خبرتها قائلةً: “إنّ تجربة Taizé بالنسبة لي ولزملائي لم تكن فقط فرصةً لاكتشاف الآخر بل فرصةً ساعدتني كفضيلة لاكتشاف الأنا واكتشاف ديني أكثر. ومن بعد هذه الخطوة أتخذتُ قرار القيام بدراسات إسلاميّة ومسيحيّة أكثر والتعمّق أكثر بموضوع الأديان. كما سمحَت لي هذه الفرصة بأن أدخل في أعمال تطوّعيّة وبأنّ أُقدِّر قيمة الأمور البسيطة جدًّا، لأنّنا بالحقيقة نحن في زمنٍ بحاجةٍ لنقدِّر فيه الأمور البسيطة في حياتنا. لذلك أقول شكرًا لهذه الفرصة، شكرًا أولاً لأديان ADYAN التي فتحت لنا هذا المجال للمشاركة. شكرًا أخ جان جاك، لأنّك كنت دائمًا بالنسبة لنا صديق، أخ، رفيق، حتّى أنّنا شعرنا به كأب لنا خلال وجودي في Taizé، فشكرًا… وأشجعكم دائمًا لاختبار هذه التجربة، لأنّ القيم التي نكتسبها من هذه التجربة أمرٌ أساسيٌّ للغاية وسنبقى متمسكّين بها لآخر لحظة من حياتنا…”

كما شارك الشاب جمال خليل (زميل فضيلة من أديان ADYAN) خبرته قائلاً: “في ٢٠٢٠، تمّ اختياري للذهاب إلى Taizé وكان أمرًا غريبًا وليس بغريبٍ بالنسبة لي لأنّني أنا ابن طرابلس وولدت وعشت كلّ حياتي في كسروان. فهذه الحياة المختلطة التي عشتها كلّ حياتي، ولكن لم أختبرها يومًا بهذه الطريقة.”

وأضاف: “ومن الأمور الطريفة التي تشاركتها مع الأخ جان جاك عندما كنت في فرنسا وكنّا مدعوين للعشاء عند رئيس الرهبنة هناك، كان وقتها وقت صلاتنا، وأذكرُ أنّ الأخ جان جاك جعل كلّ الأشخاص هناك، الرهبان الذين كانوا في العشاء يستعجلون لأنّ جمال لديه صلاة ويجب أن يلحق بها. لقد كانت تجربتي في Taizé عبارة عن شهرٍ وأكثر، كانت عبارة عن ثماني صلواتٍ في اليوم: ٥ صلوات بالدين الإسلاميّ وثلاث صلوات كنت أشارك فيها مع الأخ جان جاك في الكنيسة في Taizé.”

وختم: “أستطيع أن أختصر هذه الرحلة، التي لم أعش مثلها تجربة ولن أعيش مثلها تجربة، بأنّها كانت غنيّةً بشكلٍ غير طبيعيّ، إذ كان هناك أشخاصٌ من كلّ دول العالم تقريبًا، وكنّا نعيش كلّنا معًا في مكانٍ واحد. وما ميّزها كثيرًا، هو أنّنا لم نكن فقط نقوم بالعديد من الأمور بل كنّا نتشارك العديد من الأمور، ولم نكن نتحدّث فقط عن الأمور التي تجمعنا بل الأمور التي نختلف فيها والتي، في الوقت عينه، مستعدّين أن نحيا فيها مع بعضنا البعض. هذا كان بالأساس الهدف من الرسالة التي ذهبتُ لأجلها إلى هناك. من بين الهدايا المميّزة التي حصلتُ عليها من الأشخاص الذين كانوا يودّعونني وأنا عائدٌ إلى لبنان، من شابٍ هنديّ اسمه شانت أعطاني صليبه، الذي كان يعني له الكثير فضلاً عمّا عشناه معًا. هذا ما جعلني أتأكّد أنّه مع الاختلافات الكثيرة بيننا هناك أمورٌ كثيرة تجمعنا. يجب أن نتعلّم كيف نعيش مع بعضنا البعض لو مهما كانت اختلافاتنا الدينيّة…”

وختم الأخ جان جاك قائلاً: “سننقل إلى الشبيبة في Taizé لبنان من خلال جمال وروعة ما عشناه معًا الليلة في هذا اللقاء المؤثِّر.”

وفي الختام، كانت كلمةُ شكرٍ مع أمين عام مكتب راعويّة الشبيبة في الدائرة البطريركيّة المارونيّة في بكركي، الأستاذ الياس القصيفي، عبّر فيها، باسم المكتب والكنيسة المارونيّة، عن شكره وامتنانه لكلّ رجال الدين ومسؤولي الكنائس الذين شاركوا خبرتهم في هذا اللقاء وإخوة جماعة Taizé، الأخ جان جاك والأخ روبير، وختم قائلاً: “على رجاء الاجتماع دائمًا بإذن الله لخير شبيبتنا ووطننا.” ومن ثمّ، كانت الصورة التذكاريّة والضيافة للمناسبة.

وضع المجمع النيقاوي عشرين قانونًا لتنظيم شؤون الكنيسة، تناولت شروط الرسامة والانضباط الكنسيّ، فشدّد على الحزم تجاه الإكليروس والرحمة تجاه المؤمنين التائبين، كما نظّم العلاقات بين الأساقفة، تعبيرًا عن الحاجة إلى وحدة وسلام بين الكنائس.

وفي ختام اللقاء، طُرح تساؤل محوري: ماذا نتعلّم اليوم من نيقيا؟ ما عبقرية نيقيا وجديده ككلمة رجاء؟ وما كلمة الرجاء لنا اليوم كمسيحيين نسعى للوحدة؟

النقطة الأولى التي يعلّمنا إياها مجمع نيقيا هي المجمعيّة، أو السينودُسيّة، كمبدأ ووسيلة لحلّ الخلافات. لم يكن أمرًا هيّنًا أن يجتمع ٣١٨ أسقفًا من أنحاء المسكونة لمعالجة قضية تطال الجميع، من قبل الجميع. هذا يعلّمنا أن الوحدة تبدأ من الاجتماع والتفكير والنقاش المشترك، حتى لو استمر شهورًا.

أما النقطة الثانية فهي أنه لا وحدة من دون إعلان إيمان مشترك، فقد وضع آباء المجمع نصًّا أصبح أساسًا مشتركًا للعائلات المسيحيّة الكاثوليكيّة، الأرثوذكسيّة، الأرثوذكسيّة الشرقيّة، الإنجيليّة، وكنيسة المشرق. هذا يرسّخ أهمية الاتفاق على جوهر الإيمان مع احترام التنوّع في التعابير، كما في مفهوم التجسّد مثلًا.

وأكد المتحدثون أن أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين هو فرصة لاكتشاف هذا التراث الحيّ من جديد، وإعادة ملاءمته للثقافات المعاصرة التي باتت أكثر تنوّعًا مما كانت عليه في زمن نيقيا.

أما بالنسبة للاحتفال بعيد الفصح، فقد كان موضع خلاف سابقًا بين “الأربعة عشريّة” وروما، لكن مجمع نيقيا أكّد على أهمية توحيد تاريخه لما له من بُعد رعويّ وشهادة حيّة أمام العالم. ويجري اليوم اقتراح ثالث أحد من نيسان موعدًا موحّدًا للعيد الكبير، ما يزال بانتظار توافق جميع العائلات الكنسيّة.

وخُتمت الكلمة بالتأكيد أنّ المطلوب اليوم ليس استعادة أركيولوجيّة عمياء لمجمع نيقيا، بل قراءة تأوينيّة تلهمنا في سعينا لحلّ الخلافات العقائديّة واستعادة الوحدة بالحقيقة والمحبّة، أمانةً لطلب المسيح في صلاته الأخيرة: “ليكونوا واحدًا حتى يؤمن العالم”.

وتبع الكلمة صلاة مشتركة مع إخوة جماعة Taizé، امتازت ببساطتها وجماليّتها، وتضمّنت قراءات وتأملات وتراتيل روحيّة، أبرزها ترانيم Taizé مع جوقة جوفينتو بقيادة الأستاذ طوني بيلوني، وترنيمة “الأبانا” بالسريانيّة مع الأب فادي بولس إسكندر من الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة، وترنيمة “إفرحي أيّتها الكنيسة” باللغة الأرمنيّة مع المرنّمة ميراي كوتوكجيان من الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة.

ثم وجّه الأخ جان جاك كلمة شكر لكلّ من ساهم في إنجاح لقاءات الشبيبة المسكونيّة، وللشبيبة المشاركة وللخبرات المؤثّرة التي سيحملها الإخوة من لبنان إلى فرنسا وكلّ أنحاء العالم، مؤكّدًا أن لبنان وفلسطين، وبشكل خاص غزّة، في قلب صلاتهم اليوميّة.

وكانت كلمة شكر ختاميّة مع الخوري جورج يَرَق، مرشد مكتب راعويّة الشبيبة البطريركيّ بكركي، وجّه فيها تحيّة لإخوة جماعة Taizé على تلبيتهم الدعوة وثقتهم الدائمة بالشبيبة، وشكر مكتب راعويّة الشبيبة Bkerke Jeune على المبادرة والتنظيم مع مكاتب ولجان الشبيبة في كنائس لبنان، ضمن اللجنة التنظيميّة المسكونيّة التي تواصل رسالتها ببناء الوحدة والمحبّة والأخوّة.

وفي الختام، قدّم باسم اللجنة التنظيميّة مجسّم لوغو اللقاء المسكوني العالميّ للشبيبة عربون شكر وتقدير، كما حصل الشبيبة على هديّة تذكاريّة من الجماعة، ضمّت رسالة ٢٠٢٥ “رجاء يفوق كلّ رجاء”، وأيقونة الصداقة، وصلاة من الأخ ماثيو، وورقة من شجرة زيتون بيت لحم كعلامة سلامٍ ورجاء.

 

 

اختتم لقاء الشبيبة المسكوني العالميّ أعماله بنداءٍ من القلب مستلهم من روح مجمع نيقيا، الذي لم يكن حدثًا لاهوتيًا فقط، بل محطةً تاريخية أرست مبادئ المجمعيّة والانفتاح والحوار كسبيلٍ للوحدة. ووضع المجمع في حينه 20 قانونًا تنظّم شؤون الكنيسة، من شروط الرسامة والانضباط الكنسيّ، إلى تنظيم العلاقات بين الأساقفة، في تعبيرٍ واضح عن الحاجة إلى السلام والوحدة بين الكنائس.

وفي كلمةٍ ختاميّة مؤثرة، طُرحت تساؤلات مفتوحة على أفق الرجاء: ماذا نتعلّم من نيقيا اليوم؟ ما عبقريته وجديده؟ وما هي كلمة الرجاء للمسيحيين الساعين للوحدة؟

أولى هذه الدروس، كما قيل، هي المجمعيّة والسينودُسيّة كمنهج لحلّ الخلافات، فليس أمرًا بسيطًا أن يلتقي 318 أسقفًا من كل أنحاء المسكونة لمعالجة قضيّة واحدة. ثانيًا، الوحدة لا تنفصل عن إعلان الإيمان، حيث قام الآباء بإقرار نصّ يُعتبر اليوم قاسمًا مشتركًا بين معظم الكنائس، مع قبول التنوّع في التعابير اللاهوتية حول ذات الإيمان.

كما أُشير إلى أهمية أن يُعاد اكتشاف هذا التراث الحيّ بلغةٍ تتماشى مع واقع الثقافات المعاصرة. فالوحدة اليوم لا تعني تكرار الخلافات القديمة، بل العودة إلى جوهر الرسالة الإنجيلية التي جاء من أجلها المسيح: “ليكونوا واحدًا”، لأن الوحدة ليست استعراض قوة بل أمانة لنداء الرب. ولذلك، هناك ارتباط جوهري بين إعلان الإنجيل والسعي للوحدة.

وتناول اللقاء أيضًا موضوع توحيد تاريخ عيد الفصح، الذي كان سببًا للخلاف في الماضي، حيث دعا مجمع نيقيا إلى توحيد التاريخ لأهميته الرعويّة، وهو اقتراح لا يزال حاضرًا اليوم بقوة، إذ يُطرح أن يُعتمد الأحد الثالث من نيسان كتاريخ موحَّد، بانتظار التوافق بين كل العائلات الكنسيّة.

واختُتم اللقاء بصلاةٍ مسكونيّة مؤثّرة مع إخوة جماعة Taizé، تميّزت بعمقها وبساطتها، وتخللتها قراءات وتأملات وترانيم من روح الجماعة بمرافقة جوقة جوفينتو بقيادة الأستاذ طوني بيلوني. كما شارك الأب فادي بولس اسكندر بترنيمة “الأبانا” بالسريانية، والمرنّمة ميراي كوتوكجيان بترنيمة “إفرحي أيتها الكنيسة” باللغة الأرمنية.

ووجّه الأخ جان جاك كلمة شكر لكل من ساهم في إنجاح اللقاء، مؤكدًا أنّ لبنان وفلسطين، وبخاصة غزة، ستبقى في قلب صلوات جماعة Taizé. ثم وجّه الخوري جورج يَرَق، مرشد مكتب راعويّة الشبيبة البطريركيّ بكركي، كلمة تقدير لإخوة الجماعة على ثقتهم ودعمهم، مشيدًا باللجنة التنظيميّة المسكونيّة التي جمعت مكاتب الشبيبة من كل كنائس لبنان.

وفي ختام اللقاء، سلّم الخوري يَرَق مجسّم لوغو اللقاء عربون شكرٍ ومحبة، فيما قدّمت الجماعة للشبيبة هديّة تذكاريّة تضمنت “رسالة 2025 – رجاء يفوق كل رجاء”، وأيقونة الصداقة، وصلاة الأخ ماثيو، وورقة زيتون من بيت لحم كعلامة سلامٍ ورجاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى