سمر نديم.. من فتاة بسيطة في “عين شمس” إلى صانعة الأمل ومأوى الكبار بلا ملاذ

سمر نديم.. من فتاة بسيطة في “عين شمس” إلى صانعة الأمل ومأوى الكبار بلا ملاذ
كتب/ حسام صلاح
بداية الحكاية نشأت سمر نديم، ذات ال 36 عامًا، في حي “عين شمس” بالقاهرة، داخل أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة. منذ نعومة أظافرها، تأثرت بوالدتها التي كانت تعشق عمل الخير ومساعدة الناس، فترسخ في قلبها معاني العطاء والرحمة، وبدأت منذ صغرها تقدم المساعدات للمحتاجين من مصروفها اليومي. هذا العطاء الصغير كان نواة لحلم كبير لم تتخيل أنه سيقودها يومًا لأن تصبح واحدة من رموز العمل الخيري في مصر والعالم العربي.
حالة إنسانية واحدة فتحت أبواب الخير
تحكي سمر أن البداية الفعلية لمسيرتها الخيرية كانت من خلال حالة إنسانية عرضتها على صفحتها الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، طالبة الدعم من أهل الخير. فوجئت وقتها بتفاعل كبير وتبرعات سخية. ومن هنا شعرت بأن الله اختصها برسالة إنسانية عظيمة، تتمثل في قضاء حوائج الناس، ومساعدة من لا مأوى لهم، ونشر الخير في المجتمع.
من المساعدات الفردية إلى مؤسسة رسمية
بعد سنوات من العمل الخيري الفردي، بدأت سمر في توسيع نطاق عملها من خلال مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، الأرامل، المطلقات، وكبار السن. وباقتراح من أصدقائها ومعارفها، فكرت في إنشاء كيان خيري رسمي أكثر شمولًا وتنظيمًا، يخدم المحتاجين بشكل منهجي. وبالفعل، أسست “مؤسسة سمر نديم للخدمات والتنمية” عام 2017، ثم حصلت المؤسسة على الترخيص والإشهار الرسمي في عام 2020.
ولادة دار “زهرة مصر” من استغاثة فتاة مشردة
أثناء عملها في المؤسسة، تواصل معها أصدقائها ومعارفها وشجعوها بضرورة وجود دار لإيواء كبار السن والمشردين.
على الفور ترسخت الفكرة في ذهنها وبدأت سمر بتوفير مكان بسيط بدعم من المتبرعين، وتم تجهيزه بالأثاث والاحتياجات اللازمة.
لكن الشرارة الحقيقية لانطلاق دار “زهرة مصر” كانت استغاثة لفتاة تُدعى “ضحى”، كانت تتعرض للخطر في الشارع. حاولت سمر إيداعها في دار رعاية بمحافظة الشرقية، ولكن تم رفضها، فما كان منها إلا أن فتحت دارًا من لا شيء، وجعلت من ضحى أول نزيلة فيه.
وبعدها توالت حالات الإنقاذ، لكن وزارة التضامن الاجتماعي نبهتها بعدم جواز اختلاط الرجال والنساء في الدار، فخصصت دار “زهرة مصر” للنساء المشردات بلا مأوى فقط، وحرصت على نقل الرجال الذين أنقذتهم إلى دور أخرى على نفقتها الخاصة.
الكتابة كانت الحلم والواقع مصدر الإلهام
منذ طفولتها، كانت سمر تهوى القراءة والكتابة، وتحب القصص الواقعية التي تحمل معاناة الناس. هذا الشغف دفعها إلى كتابة ونشر عدة مؤلفات، منها:
بصمة خير
زهرة مصر
مشرد حول العالم واحد
مشرد حول العالم أثنين
سمر وجليلة
المعرفة
كن جميل الأثر
تتناول كتبها قصصًا حقيقية من واقع الشارع، تنقل من خلالها الألم والمعاناة، وتبعث برسائل أمل وإنسانية إلى القارئ.
براند فاشون “زهرة مصر”.. للزي الإسلامي العصري الأنيق
إيمانًا منها بأن الاحتشام لا يعني التخلي عن الأناقة، أطلقت سمر نديم براند فاشون خاص بها تحت اسم “زهرة مصر”، مخصص لتقديم زي شرعي راقٍ لكل فتاة وسيدة مسلمة.
اعتمدت في تصاميمها على الدمج بين الأصالة والحداثة، فكانت القطع فضفاضة، راقية، أنيقة، ومواكبة لأحدث خطوط الموضة العالمية ولكن بروح شرعية.
“براند زهرة مصر فاشون” يقدم فساتين شرعية فضفاضة تتميز بالرقة والبساطة، كما صممت أنواعًا متنوعة من الخمار لتناسب مختلف الأذواق والأنماط الثقافية، منها:
الخمار المصري
الخمار الفرنسي الملكي
الخمار الكوري الملكي
تقول سمر إن رسالتها من خلال هذا البراند هي إثبات أن الحجاب ليس عائقًا أمام الجمال، بل هو طريق إلى الجاذبية الراقية والشياكة المعاصرة، مضيفة: “الزي الإسلامي يمكن أن يكون أنيقًا وعصريًا دون أن نفقد جوهره”.
حلم المجمع الخدمي.. جامع ودار للمشردات
من أكبر أحلام سمر نديم، إنشاء مجمع خدمي متكامل باسم “زهرة مصر”، يضم مسجدًا كبيرًا ودارًا ضخمة لرعاية المشردين. بعد مجهود كبير، نجحت في الحصول على قطعة أرض من وزارة الإسكان، لكن المشروع ظل ساكنا، رغم ذلك، لم تيأس، ظلت تدعو الله وتعمل بجد، حتى كافأها الله بفوزها بجائزة “صناع الأمل”.
تكريم في دبي.. وسفر يحمل تقديرًا من قادة العرب
تفاجأت سمر بكرم من الله حين تلقت دعوة من “صناع الأمل”، وتم تكريمها في دبي على يد الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات، الذي عبر عن تقديره لما تقدمه من عمل إنساني يُعد قدوة للعالم العربي. ومن هناك، وصلت سمر رسالتها إلى العالم كله، أن التجارة مع الله كسبانة مؤكدة على ضرورة الإحسان للوالدين لأنة من أسمى الرسائل الدينية وبالوالدين احسانا وصية رب العالمين ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
بداية التنفيذ.. بناء جامع ومبنى لرعاية المشردين
عادت من دبي وهي أكثر تصميمًا على الحلم. بدأت في تنفيذ مشروع المجمع، بالإتفاق مع شركة النسر للمقاولات لبناء الجامع أولًا، وذلك لأنه لا يحتاج إلى إجراءات كثيرة، ودفعـت أول دفعة من مالها الخاص بقيمة 1.2 مليون ومئتان جنيه، ثم أعلنت لاحقًا أنها دفعت 1.8 مليون وثماني مئة جنيه أخرى لبناء مبنى لرعاية المشردين، لتبدأ خطوات تحقيق الحلم على أرض الواقع.
عطاء بلا توقف.. عمرة للمحتاجات ومعرض مجاني
لم تكتفِ سمر بهذا، بل نظمت رحلات عمرة للبعض من سيدات القصر وغيرهن. كما نظمت معرضًا خيريًا داخل دار زهرة مصر لتوزيع الملابس، الأثاث، والأجهزة المنزلية المستعملة استعمال خفيف مجانًا للأسر المتعففة. كذلك، أطلقت حملة شنط رمضان، استفادت منها العديد من الأسر المصرية وغير المصرية.
ظهورها على السوشيال ميديا.. توثيق وليس شهرة
أكدت سمر أن ظهورها المتكرر عبر البث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء عمليات الإنقاذ، ليس بغرض الشهرة، بل هو وسيلة لإيصال الحالات إلى ذويها. الكثير من الحالات تم لم شملها بأهلها بعد التعرف عليها عبر الفيديوهات، كما أن البث المباشر يؤكد شفافية العمل داخل الدار.
شباب الجامعات ومشاريع التخرج في دار زهرة مصر
وصل صدى دار “زهرة مصر” إلى طلاب الجامعات، الذين اختاروا المؤسسة ومشاريع سمر لتكون محور مشاريع تخرجهم. سمر أعربت عن سعادتها بهذه الخطوة، مؤكدة أن الشباب هم مستقبل العمل الخيري في مصر.
مسؤوليات كبيرة ولكن الخير لا يتوقف
رغم حملها في أشهره الأخيرة، ورغم مرض والدها الذي يمكث بالعناية المركزة، لم تتوقف سمر لحظة عن أداء رسالتها.
قررت إطلاق حملة إنقاذ مكثفة لمدة شهر، أنقذت خلالها شيماء، و”باتعة”، و”عفاف”، و”نادية”، و”وردة”، و”سامية”، وغيرهن، منهن من عاد إلى أسرته بعد غياب سنوات.
دكتورة الإنسانية وصانعة الأمل
هكذا لُقبت سمر نديم. هي السيدة التي تحركت بإنسانيتها من الشارع إلى الشهرة، أنقذت سيدات كن في مناصب عليا، مديرات بالتليفزيون المصري وفنانات ودكاتره وأصحاب أملاك، وانتهى بهن الحال في الشارع. وبعد إنقاذهن، انتشرت قصصهن عبر وسائل الإعلام، وأصبح لدار “زهرة مصر” صدى عالمي، يزورها الناس من كل الدول العربية والأجنبية.
وماذا بعد؟
يبقى السؤال: ماذا بعد من سمر نديم؟
التي لم تعرف المستحيل، والتي جعلت من عمل الخير رسالة، ومن قلبها مأوى لكل من لا مأوى له. قصتها لم تنتهِ، بل بدأت، وعملها لا يزال مستمرًا، ورسالتها باتت نورًا يلهم قلوب الملايين.